تاريخ النشر 2015-05-05 الساعة 11:20:17
سياسة التجارة الخارجية
فرضت الأزمة تغييراً مهماً بأولويات التجارة الخارجية تمثلت بالانتقال من تسهيل التجارة الخارجية إلى إدارة التجارة الخارجية، والمقصود هنا إعطاء أولويات في المزايا والتسهيلات لتأمين متطلبات الإنتاج من:
1) المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وخطوط الإنتاج والتجهيزات.
2) تأمين استمرار توافر المواد والخدمات الأساسية.
3) تحقيق متطلبات الأمن الدوائي واستكمال ما يتم إنتاجه محلياً.
في هذا الإطار تأتي سياسة وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بمنح إجازات الاستيراد لتعكس هذه الأولويات، ولكن أيضاً لتتكامل مع أولوية اقتصادية أساسية ترتبط بالسياسة النقدية وهي استقرار سعر الصرف وتعزيز موقع مصرف سورية المركزي من القطع الأجنبي وحماية الليرة السورية؛ في هذا الإطار تأتي إدارة سياستنا تجاه التجارة الخارجية لتخدم زيادة القدرة الإنتاجية وخاصةً التصديرية وإدارة تدفق المواد إلى السوق ووفق معايير العرض والطلب.
هذه السمة لسياسة التجارة الخارجية جاءت لتعكس احتياجات الاقتصاد خلال الأزمة، إلا أنها لا تعبر عن تراجع بنيوي عن سياسة تسهيل التجارة الخارجية وتبسيط الإجراءات. فمع التطور التدريجي لحركة الاقتصاد وتطور قدرات الإنتاج المحلي وتطور القدرة التصديرية ستتطور سياستنا للتجارة الخارجية أكثر تجاه تبسيط الإجراءات وتسهيل حركة التبادل التجاري.
هذا التطور لإجراءات إدارة الاستيراد يحكمه اليوم عاملين أساسيين:
1- العامل الأول: إدارة الطلب على القطع الأجنبي، إن أحد أهم مصادر الطلب على القطع الأجنبي هو الاستيراد والذي يسبب ضغطاً صاعداً على الليرة السورية. فحصول المستورد على حق استيراد كميات كبيرة مسبقاً عبر الإجازة يعني طلباً كامناً على القطع الأجنبي يمكن ترجمته طلباً آنياً على القطع الأجنبي بقيم كبيرة، مشكلاً عامل مضاربة إضافي على القطع الأجنبي (حالياً تصل قيم إجازات وموافقات الاستيراد إلى 70-80 مليون يورو إسبوعياً 14-17 مليون يورو يومياً يقدم مصرف سورية المركزي بتمويل 10-12 % منها عبر المصارف وشركات الصرافة ويتركز التمويل المصرفي على مستلزمات الإنتاج والسلع الأساسية؛ تنخفض هذه الأرقام لدى المقارنة بالاستيراد الفعلي فالموافقة على الاستيراد تعني الطلب المحتمل على الاستيراد وليس الاستيراد الفعال) ونعمل في هذا الإطار على مستويين: المستوى الأول ترشيد موافقات وإجازات الاستيراد من حيث القيمة لمستوى أدنى بشكل عام، المستوى الثاني التوسع في موافقات وإجازات الاستيراد من حيث العدد وتحقيق تماييز لناحية القطاع الصناعي - الزراعي عن القطاع التجاري.
2- العامل الثاني: الاحتكار وبالتالي المستوى العام للأسعار، فحصول المستورد على كميات كبيرة من الإجازات لاستيراد كميات كبيرة من المادة يعني قدرته على التحكم الأكبر في السوق ومنع دخول المستورد الصغير. فأي كمية يطرحها المستورد الصغير ستجد مضاربة كبيرة من المستورد الكبير المتحكم في السوق وبالتالي عدم بيعها وخروج هذا المستورد الصغير من السوق.
في هذا الإطار قامت الوزارة بتطوير عدد من الأدوات والسياسات الذكية لا تعتمد في جزء كبير منها على التعرفة الجمركية كأداة حمائية خاصة في المرحلة الحالية:
أولاً: لجنة حماية الإنتاج المحلي: التي قمنا باقتراح تشكيلها برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية عندما كنا رئيساً لهيئة التخطيط والتعاون الدولي واليوم نقوم بتفعيل عملها بالاعتماد على: ضبط دخول السلع المنافسة عبر اعتماد الأدوات التالية:
• التحقق من صحة المنشأ للسلع والبضائع التي يتم استيرادها.
• التحقق من المواصفة الوطنية السورية.
• التحقق من قواعد عدم الإغراق.
وهي أدوات ذكية يمكن استخدامها لحماية الإنتاج الوطني“Non-Tariff Barriers” تعمل كمنظومة إنذار مبكر تدعم السياسات الحكومية لتعكس أولوية الحكومة في حماية ودعم الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي؛ وفعلاً بدأنا باستخدامها تجاه سلع عديدة تردنا من لبنان/ الأردن / السعودية / مصر، تستفيد من إعفاءات الرسوم الجمركية المتفق عليها في اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إلا أنها لا تحقق قواعد المنشأ/ المواصفة الوطنية السورية/عدم الإغراق، ومن هذه المواد:
أ. التجهيزات الكهربائية (للحد من استيرادها جزئياً وبالتالي الحد من الطلب عليها آنياً).
ب. الحديد (لاستيفاء رسوم جمركية على استيرادها من دول غير عربية (روسيا – أوركرانيا) وتعزيز موارد خزينة الدولة).
ج. الاسمنت والسكر لناحية رفع كفاءة الإنتاج المحلي من هذه المواد.
د. الزيوت والسمون
وتم تشكيل لجان فنية مختصة في هذا الإطار تعتمد التشاركية ومساهمة الأطراف ذات الاستفادة من موضوع التحقق من صدق المنشأ/المواصفة الوطنية السورية/عدم الإغراق.
واتفقنا مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على التشديد في مواصفات الاستيراد لمادة الفروج لتأمين حماية أكبر لمنتج الفروج المحلي والحد من استيراده. (انخفض سعر كيلو الفروج من 1000 ل.س العام الماضي إلى 350-450 ل.س اليوم) نتيجة سياسة حماية وسياسة دعم مستلزمات الإنتاج وكذلك يتم الآن التنسيق مع وزارة الصناعة وهيئة المواصفات والمقاييس السورية لوضع مواصفات تتعلق بالزيوت النباتية.
ونسعى للانتقال إلى حزمة سياسات تتعلق بالألبان والأجبان لتحقيق ذات التحول مستفيدين من انخفاض أسعار مستلزمات الإنتاج ومادة الحليب والأبقار في أوروبا نتيجة إغلاق السوق الروسية أمام المنتجات الأوروبية. ونلتقي مع أهم الفاعلين في هذا القطاع لإعادة إحيائه وتوسع الإنتاج فيه.
ثانياً: تشكيل لجنة فنية على مستوى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وأخرى على مستوى الاتحادات برئاستنا، تستهدف تحسين كفاءة إدارة التجارة الخارجية وإجراءات منح إجازات وموافقات الاستيراد ووضع معايير للمواد والسلع ذات الأولوية للاستيراد وابتكار وتطوير أدوات التدخل والارتقاء بالتجارة الخارجية بهدف تعزيز نمو وحماية الإنتاج المحلي وتعزيز القدرات التصديرية الوطنية وزيادة مساهمة القطاع التصديري في التاتج المحلي الإجمالي، عبر ضمان تحقيق الأولويات التالية:
1) إعطاء الأولوية في منح الإجازة أو الموافقة للمواد الأولية والسلع الوسيطة (كالخيوط والأقمشة بأنواعها، المواد الكيميائية اللازمة للصناعة، الأعلاف، المواد الخام، السكر الخام، الزيت الخام، مكونات الإنتاج الدوائي، وغيرها من المواد الأولية اللازمة للإنتاج)، ما لم يتم إنتاجها محلياً وبكفاية وذلك بهدف إعطاء مرونة أكثر لاحتياجات الإنتاج المحلي من الواردات.
2) تعطى الأولوية للسلع والمواد الأساسية (الأدوية والمواد الغذائية الأساسية التي لا يتم إنتاجها محلياً) ووفق الكميات التي تكفي حاجة السوق ولا تشكل مضاربة على السلعة أو على سعر الصرف.
3) تمنح الموافقات والإجازات لباقي السلع ووفق أحكام التجارة الخارجية لضمان توفر كافة أنواع السلع في الأسواق المحلية ولكن وفق كميات محددة لتخفيف الطلب على القطع بهدف الاستيراد وتشجيعاً للإنتاج المحلي؛ تخصص هذه المنتجات بكميات تحقق الحد الأدنى من الجدوى التجارية للمستورد وحسب أهمية المادة في السوق وحساسيتها تجاه المنافسة مع الإنتاج المحلي.
4) التريث بمنح موافقات استيراد من بعض بلدان منطقة اتفاقية التجارة العربية الحرة تجنباً لدخول بضائع من مصادر غير عربية تستحق الرسوم الجمركية على أنها ذات منشأ عربي تهرباً من الرسوم الجمركية؛ والهدف هنا لم يكن بوارد الإضرار بمصالح المزارع والصناعي العربي الذي يحقق شروط المنشأ وإنما مبني على تحقيق أولوية حماية الإنتاج السوري وتحقيق موارد متزايدة للخزينة العامة للدولة.
وفي هذا الإطار نعمل على أتمتة عمل الوزارة واستكمال البنى التحتية لوحدة تحليل البيانات والتي يشترك فيها ممثلين عن مديرية الجمارك العامة ومصرف سوريا المركزي لتحقيق التشبيك المعلوماتي في إدارة التجارة الخارجية لجهة استكمال حلقات منح الموافقة على طلب إجازة وموافقة الاستيراد، تمويل إجازة وموافقة الاستيراد، تنفيذ إجازة أو موافقة الاستيراد.
ثالثاً: الأسعار الاسترشادية للصادرات والمستوردات: حيث تم تشكل لجنة برئاستنا بقرار من السيد رئيس مجلس الوزراء مهمتها تحديد الأسعار الاسترشادية للصادرات السورية، قامت هذه اللجنة في اجتماعها الأخير بتحديد السعر التأشيري للعديد من السلع والمنتجات النسيجية وفق مستواها الحقيقي، فالنشرة السابقة (التي كانت تصدرها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك) لم تلحظ تطور الأسعار والتكاليف عالمياً خلال السنوات الأخيرة، فلم يكن مناسباً أن يسعر الكليوغرام من المنتجات المتنوعة مثل: الألبسة القطنية ب (200) ليرة سورية في حين أن قيمتها التصديرية الحقيقية تصل إلى (20 $)
من شأن ذلك وضع رقم تصديري قريب من القيمة الحقيقية للصادرات ومن شأنه أيضاً تحقيق عائدات اضافية لمصرف سوريا المركزي من القطع الأجنبي عبر تعهد قطع التصدير الذي ينص على بيع 50% من قيمة الصادرات إلى مصرف سوريا المركزي وفق وسطي أسعار الصرف لدى المصارف وتستكمل دراستنا للأسعار التأشيرية للصادرات لتحقيق أثر متماثل في باقي الحزم السلعية من الصادرات وخاصة الخضار والفواكه.
من جهة أخرى، كذلك تم البدء بتطوير الاسعار الاسترشادية للمستوردات أداةً لتأمين المواد الأساسية لحلقات الإنتاج التي لا يتم تأمينها حالياً محلياً (فقد تم تخفيض الأسعار الاسترشادية للخيوط والأقمشة إلى مستويات قياسية بين 1-3 دولار أمريكي للكيلو غرام الواحد مؤقتاً وسيتم تعديل هذه الأسعار صعوداً مع تطور تعافي القطاعات المنتجة لمثل هذه المواد) ولتعزيز حماية الإنتاج المحلي (عبر رفع الاسعار الاسترشادية للمستوردات السورية إلى مستويات أعلى حيث تم رفع السعر الاسترشادي للألبسة بكافة أنواعها إلى 15 دولار أمريكي للكيلو غرام الواحد)، ويمكن استخدام هذه الأداة في حماية العديد من السلع الوطنية وخاصة الألبسة، السيراميك، الزيوت، وغيرها.
ساعدت هذه الإجراءات في تحديد احتياجات السوق لأهم السلع والمواد وتمّ ترشيد الاستيراد على أساسها مع الحفاظ على أربعة مبادئ أساسية:
المبدأ الأول: "تحقيق وفرة السلعة وضمان عدم فقدان أي سلعة من السوق"، إن استمرار دخول كافة السلع إلى السوق عامل تبرز أهميته باستمرارية تواجد سوريا والسوق السورية على خارطة شبكات الإنتاج والتوزيع العالمية، خاصة وإن الطلب على السلع حتمي فإما أن توفر هذه المادة استيراداً أو تهريباً وبالتالي لا بد من عدم تبني سياستنا للتجارة الخارجية منع استيراد المادة.
المبدأ الثاني: "إعطاء الأولوية لاستيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية"، فالطلب على استيراد هذه المواد وإن شكل ضغطاً على الليرة السورية وطلباً للقطع الأجنبي آنياً، إلا أنه على المدى المتوسط والطويل يعزز البنية الاقتصادية من خلال زيادة الإنتاج لسلع كان يتم توفيرها استيراداً أو من خلال زيادة فرص التصدير وبالتالي تحقيق مورد إضافي للقطع الأجنبي؛ وهنا يتم التوافق بين سياسة وزارة الاقتصاد ومصرف سوريا المركزي على تعزيز استيراد وتمويل مستوردات مستلزمات الإنتاج ففي العام 2014 بلغت الموافقات لاستيراد الذرة الصفراء 138 مليون يورو وكذلك 110 مليون يورو كسبة فول الصويا وهما مادتان تدخلان في صناعة أعلاف مربي الدواجن (ومن المتوقع تراجع حجم الموافقات على مادة الكسبة بعد عودة الإنتاج المحلي للكسبة من بذور الصويا).
المبدأ الثالث: "حماية الإنتاج الوطني"،عبر ضبط موافقات الاستيراد وتخفيضها للسلع والمواد التي تنتج محلياً / أو بدأت بالإنتاج محلياً لزيادة الإنتاج والتوسع بالتشغيل وهذه الحماية ليست كاملة وإنما جزئية وتدريجية ومؤقتة لرعاية عملية إعادة الإنتاج لدى الصناعة والزراعة المحلية.وتتم هذه الحماية عبر لجنة حماية الإنتاج الوطني
المبدأ الرابع: "تحقيق اقتصاديات الحجم في الاستيراد"، نتواصل مع أهم المستوردين للمواد الأساسية لتحديد الحد الأدنى من الكميات المستوردة التي تحقق جدوى اقتصادية للمستورد في عملية الشراء والشحن والتأمين وفي هذا الإطار تواصلنا مع الفاعلين في قطاع الحديد (الإنتاج من الخردة محلياً، الإنتاج من حديد "البليت" استيراداً)، ونعمل على وضع خطة عمل ربعية ونصف سنوية تؤمن استمرارية الإنتاج في العمل وتتوافق مع توازن سعر الصرف والحد من الطلب عليه وتم تحديد الحد الأدنى المطلوب لكل شحنة في إطار القدرة الإنتاجية لمعامل الحديد واحتياجات السوق المحلية من هذه المادة ونعمل في هذا الإطار إلى تعزيز استجرار معامل الحديد المنتجة لمادة حديد البيليت محلياً.
يتم حالياً تطوير وحدة التحليل الاقتصادي في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وبمشاركة المديرية العامة للجمارك ومصرف سوريا المركزي في إطار الربط الشبكي والمعلوماتي واستكمال حلقات منح الموافقة على طلب إجازة وموافقة الاستيراد، تمويل إجازة وموافقة الاستيراد، تنفيذ إجازة أو موافقة الاستيراد؛ لتعزيز القرار الاقتصادي ومراقبة تعافي القطاعات الاقتصادية المختلفة عبر تغيير أولويات التجارة الخارجية بما يخدم تعافي هذه القطاعات الإنتاجية ويعزز القدرات التصديرية، فالآن الأساس في عملنا هو إنتاجنا للرقم الإحصائي بشكل آني لدى مديرية التجارة الخارجية، الذي كان غائباً عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية فاليوم ومن تاريخ 1/9/2014 وحتى تاريخه لدينا بيانات كاملة عن المستوردين، حجم المستوردات، نوعها، قيمتها، مصدرها وحصة كل مستورد في السوق والقدرة الإنتاجية لأهم المنتجين مما يعزز القدرة التفاوضية والسياساتية لصانع القرار الاقتصادي والتجاري في لقاء الفعاليات التجارية والاقتصادية. وفي مرحلة لاحقة تطوير أدوات جديدة لإيجاد مطارح ضريبية بالاعتماد على حركة التجارة الخارجية وتطوير المنظومة الضريبية بالتعاون مع وزارة المالية خاصة في إطار تعزيز موارد الخزينة العامة للدولة وتحقيق تمايز حقيقي لكبار دافعي الضرائب لناحية المشاركة في صنع القرار والاستفادة من الفرص الاستثمارية.